الخميس، 14 أغسطس 2014

هل ملكوت الله اكلاً و شرباً .. للقديس كيرلس السكندري :


لأنه يقول: " إن هؤلاء الذين يفعلون هكذا يكافأون في قيامة الأبرار". وهكذا فإن واحد من أولئك المتكئين معهم على المائدة، عندما سمع مثل هذه الكلمات الباهرة قال: " طوبى لمن يأكل خبزًا في ملكوت الله". ربما هذا الرجل لم يكن روحانيًا ولكنه كان لا يزال نفسانيًا وغير مؤهَّل أن يفهم ما قاله المسيح فهمًا سليمًا. لأنه لم يكن بعد واحدًا من الذين آمنوا ولا كان قد اعتمد بعد، لأنه افترض أن مجازاة القديسين بسبب أعمال محبتهم المتبادلة سوف تكون بأشياء مختصة بالجسد وبسبب أنهم كانوا حتى هذا الوقت إلى هذه الدرجة من غباوة القلب حتى يفهموا فكرة دقيقة، فإن المسيح صاغ لهم مثلاً يوضح بما يحويه من صور ملائمة، طبيعة التدبير المزمع أن يؤسِّسه لأجلهم، ويقول: " إنسان صنع عشاءً عظيمًا ودعا كثيرين، وأرسل عبده في ساعة العشاء ليقول للمدعوين تعالوا لأن كل شيء قد أُعد". (1)

لذلك ـ كما قلت ـ فهو يتكلم بطريقة بشرية، لكونه لم يرتفع بعد فوق قياس تواضعه. لهذا السبب فهو يقول: " كما جعل لي أبى عهدًا لمملكة هكذا أنا أيضًا سوف أجعل معكم عهدًا لتأكلوا وتشربوا دائمًا على مائدتي في ملكوتي". فهل سيكون الحال أنه بعد القيامة من الأموات، عندما يحين الوقت الذي فيه سنكون مع المسيح، ينعم علينا بمشابهة جسده المُمجَّد، هل معنى هذا أنه حتى بعد أن نكون قد لبسنا عدم الفساد، أقول هل سنكون في حاجة آنذاك ـ من جديد ـ لطعام وموائد؟ أليس من الحماقة التامة أن نقول أو نرغب في أن نتخيَّل شيئًا من هذا القبيل؟ لأنه عندما نكون قد خلعنا الفساد، فما هو القوت الجسدي الذي سنكون في احتياج إليه؟ فإن كان الأمر هكذا، فما هو معنى العبارة: " لتأكلوا وتشربوا على مائدتي في ملكوتي"؟ أجيب إنه مرَّة أخرى يعلن لنا الأمور الروحية من خلال أمور الحياة العادية. فأولئك الذين يستمتعون بأعظم الكرامات مع الملوك الأرضيين يشتركون في الوليمة معهم ويأكلون في صحبتهم، وهذا أمر يعتبرونه قمَّة المجد، وكذلك يوجد آخرون يعتبرهم أصحاب السلطان أنهم جديرون بالكرامة، ومع ذلك لا يسمحون لهم أن يأكلوا معهم على نفس المائدة. ولذلك، فلكي يُبيِّن (الرب) أنهم سينعمون معه بأعلى الكرامات، فإنه يستخدم مثالاً مأخوذًا من الحياة العادية، فيقول لهم: وأنا أجعل معكم عهدًا (عهد ملكوت) لتأكلوا وتشربوا على مائدتي في ملكوتي(2)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 - تفسير انجيل لوقا . للقديس كيرلس السكندري . إصدار المركز الارثوذكسي للدراسات الابائيه . ص 501

2 - المرجع السابق . ص 698

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق