الخميس، 14 أغسطس 2014

قيامة الاجساد و مجد الحياه السماويه .. للقديس مقاريوس الكبير

قيامة النفس أولاً ورؤيتها لمجد اللاهوت :

كما أن العيون الجسدية ترى كل شئ بوضوح، هكذا نفوس القديسين ينكشف لها جمال اللاهوت ويصير ظاهرًا لها وينجذب المسيحيون فى تأمل محاسن اللاهوت والتفكير فيها. ولكن مجد اللاهوت هذا إنما هو مُخفى عن العيون الجسدية، وهو يُكشف بوضوح للنفس المؤمنة ـ النفس التى كانت ميتة ـ والتى يقيمها الرب من الخطية، كما أقام الأجساد المائتة أيضًا، وهو يعد لها "سماء جديدة" و" أرضًا جديدةً" (رؤ1:21) وشمسًا للبر، معطيًا للنفس كل شئ من لاهوته.

فهناك عالم حقيقى وأرض حية، وكرمة مثمرة، وخبز الحياة، وماء حى، كما هو مكتوب " إنى أؤمن بأن أرى خيرات الرب فى أرض الأحياء" (مز13:27)، وأيضًا " ولكم أيها المتقون اسمى تشرق شمس البر والشفاء فى أجنحتها" (ملاخى2:4). وأيضًا الرب نفسه يقول " أنا هو الكرمة الحقيقية" (يو1:15). وأيضًا " أنا هو خبز الحياة" (يو35:6) وأيضًا " كل من يشرب من الماء الذى أعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية" (يو14:4).

 لأن مجئ الرب كان كله لأجل الإنسان ـ الإنسان الذى كان مطروحًا ميتًا فى قبر الظلمة والخطية والروح النجس والقوات الشريرة ـ لكى يقيم الإنسان ويحييه فى هذه الحياة الحاضرة ويطهره من كل سواد وظلمة، وينيره بنوره الخاص، ويُلبسه ثوبه الخاص، أى الثوب السماوى الذى هو ثوب اللاهوت.

تمجيد الأجساد التى أُقيمت نفوسها :

و لكن فى قيامة الأجساد، التى سبق أن أُقيمت نفوسها قبلاً وتمجدت، فإن الأجساد أيضًا تتمجد حينئذٍ مع النفوس، وتستنير بالنفس التى قد استنارت وتمجّدت فى هذه الحياة الحاضرة لأن الرب هو بيتهم وخيمتهم ومدينتهم. وهم يلبسون مسكنًا من السماء "غير مصنوع بأيدى" (2كو1:5)، وهو مجد النور الإلهى إذ قد صاروا أبناء النور.
وهم لن ينظروا إلى بعضهم البعض بعين شريرة، لأن الشر نُزع منهم. وهناك " لا يوجد ذكر وأنثى ولا عبد وحر" (غل28:3). لأن الجميع يتغيّرون إلى طبيعة القداسة الإلهية ويصيرون ذوى صلاح وخير، وآلهة وأبناء لله. هناك يخاطب الأخ أخته بسلام بلا خجل أو تشويش، لأن الكل واحد فى المسيح ويستريحون فى النور الواحد.
والواحد ينظر إلى الآخر وفى نظره يضئ بالحق، فى التأمل الحقيقى للنور الذى لا يُعبّر عنه.

أمجاد تفوق كل تعبير :

وهكذا بأشكال كثيرة، وأمجاد إلهية كثيرة متنوعة ينظرون بعضهم بعضًا وكل منهم ينذهل ويفرح " بالفرح الذى لا يُنطق به" (1بط8:1) إذ ينظرون مجد بعضهم البعض. انظر كيف أن أمجاد الله تفوق كل تعبير ونُطق وتفوق كل فهم فهى أمجاد النور الذى لا يُعبّر عنه والأسرار الأبدية وخيرات لا تُعد ولا تُحصى.

وكما أنه فى عالم الحواس يستحيل على أى إنسان أن يدرك عدد نباتات الأرض، أو البذور أو أنواع زهور الأرض ولا يقدر إنسان واحد أن يقيس أو يفهم غنى الأرض كلها، وكذلك فى البحر لا يستطيع إنسان أن يحصى الكائنات الحية التى فيه بكل أنواعها واختلافاتها أو أن يقيس مياه البحر واتساعه وعمقه. وكذلك فى الهواء لا يستطيع أحد أن يعرف عدد الطيور، أو أنواعها وأجناسها، وأيضًا لا يستطيع أن يفهم عظمة السماء ويدرك مواقع النجوم ومساراتها، هكذا أيضًا فإنه يستحيل أن ننطق أو نصف غنى المسيحيين الذى لا يُقاس ولا تستطيع أن تدركه العقول. لأنه إن كانت تلك المخلوقات لا عدد لها ولا حصر ولا يستطيع أن يدركها عقل إنسان تمامًا، فكم بالحرى يكون ذلك الذى خلقها وأعدها!

لذلك ينبغى على كل واحد بالحرى أن يفرح جدًا ويُسرّ لأن مثل هذا الغنى ومثل هذا الميراث، قد أُعد للمسيحيين، حتى أنه لا يستطيع أحد أن ينطق به أو يشرحه شرحًا كافيًا.

بل بكل اجتهاد واتضاع ينبغى أن نسير فى الجهاد المسيحى وننال ذلك الغنى. لأن ميراث المسيحيين ونصيبهم هو الله نفسه. كما يقول النبى " الرب هو نصيب ميراثى وكأسى" (مز5:16). والمجد لذلك الذى يعطى نفسه ويُشرك نفوس المسيحيين فى قداسة طبيعته إلى الأبد آمين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عظه 34 من كتاب عظات القديس مقاريوس الكبير ، ترجمة د / نصحي عبد الشهيد ، إصدار المركز الارثوذكسي للدراسات الابائيه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق