الخميس، 14 أغسطس 2014

حالة الفوضي و الانقسامات في الكنيسه .. للقديس باسيليوس الكبير


وعندما امتلأت الكنيسة كلها بالصراخ أصبح من المستحيل تمييز الأصوات، وعز على أي إنسان في وسط ذلك الضجيج الذي لا مثيل له أن يميز صوت العقيدة أو يستمع إلى التعليم الصحيح فقد عمت الضوضاء الرهيبة وتعثر الفهم.

وفي وسط هذه الفوضى التي لا مثيل لها، يوجد الذين يخلطون بين أقانيم الثالوث وحملوا اسرى إلى اليهودية. وفي الجانب الآخر يوجد الذين يخلطون بين الطبيعة الإلهية والطبائع المخلوقة وينتقلون إلى الوثنية. هذا كله يحدث، دون أن تهدئ هؤلاء الكتب الإلهية، كما أن تسليم الرسل لا يحقق الوفاق بينهم واصبح الواحد لا يطلب من صراحة الآخر سوى أن يتكلم كما يشاء، أما الاختلاف في الرأي فأنه يكفي ليكون سببًا كافيًا للعداوة، والتعهد بالتحالف أصبح يجمع بالناس على تكوين أحزاب متصارعة.
وصار كل واحد لاهوتيًا على الرغم من أن حياته الداخلية ملوثة ببقع لا يقدر أن يحصيها. والنتيجة أن المبتدعين يجدون الاتباع بوفرة، الذين هم على استعداد للاستسلام لكل الخيالات. والذين لا يصلحون حتى للتمثيل على المسارح يقامون في الكنيسة لكي يدمروا تدبر الروح القدس ويزرعون الانقسامات بين الرئاسات الكنيسة فصارت الممارسات الخاصة بأسرار الإنجيل بسبب الفوضى وعدم الضبط مجالاً لطلب الرئاسة والمناصب الكبرى في الكنيسة، والذين يعلنون عن أنفسهن يشقون الطريق بكل عنف للحصول على أعلى المناصب في الكنيسة، ويحدث الآن أن شهوة التسلط امتدت للشعب نفسه وجعلته في فوضى شاملة. وعجز عن التمسك بالنظام الكنسي. أما وعظ الرؤساء فقد صار عقيمًا وبلا فائدة، لا كل فرد يظن في جهلة أنه لا يليق به أن يسمع أو يطيع بل أن يعطى الأوامر لغيره.

78- لهذه الأسباب اعتبر الصمت أفضل من الحديث، لأنه لا يوجد صوت بشري قوي يمكنه أن يسكت هذه الضوضاء. وهذا الوضع جعل كلمات الحكيم صادقة جدًا كلمات الحكيم تسمع هدوء (جا9: 17). وبالتالي أصبح السكوت أفضل. كما ان كلمات النبي منعتني "ليسكت الحكيم في ذلك الزمان لأنه زمان سوء" (عا5: 13). وقد تحقق هذا الآن، البعض يرمي بجاره ارضا. والبعض يدوس على من يسقط وغيرهم يصفق فرحًا لما يراه. ولا يوجد من يشفق على الساقطين ويمد لهم يد المساعدة مع أن الشريعة القديمة جعلت من يرى دابة غريمة ساقطة تحت حملها ولا يساعدها مذنبًا (حز23: 5) ولكن الأمر ليس كذلك في أيامنا. لماذا؟ لأن المحبة قد بردت والاتفاق الاخوي قد انتهى، بل أن اسم الوحدة صار غير معروف والنصائح الأخوية لم تعد تقال ولا توجد تقوى مسيحية، ولم نعد نرى دموع الشفقة، لا يوجد بالمرى من يساعد ضعيف الإيمان (رو15: 1) بل تعاطفت العداوة بين الأشقاء فصار كل واحد منهم يفرح بسقطة قريبه أكثر مما يفرح بنجاحه. وصارت الحالة الآن مثل حالة انتشار وباء، لأن الأصحاء يعانون من المرض مثل المرضى تمامًا، فقط وصلتهم العدوى من جراء اتصالهم بالمرضى. وهذا يشبه ما يجرى بين بعضنا البعض بسبب ما صار بيننا من عداء، واسرتنا الكراهية فسقطنا في الشر ولم يعد ثمة فرق بيننا. فيجلس القساة في مجلس القضاء ليحكموا على الساقطين، وأما الذين يعيشون حسب التقوى، فأن أعداءهم والذين بلا عواطف هم الذين يحكمون عليهم. وهكذا تمكن منا الشر وسقطنا في حفرة حتى صرنا أشد قساوة من الحيوانات التي رغم ذلك تتألف مع الحيوانات الآخرى التي من نفس النوع، إلاّ أننا أصبحنا أكثر إنحطاطًا منها لن حربنا القاسية قائمة مع نفس النوع الذي تنتمى إليه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ
الروح القدس . للقديس باسيليوس . ترجمة د . جورج حبيب باباوي . ص 200 : 202

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق